لا يمكن القول بالإجمال ان المؤسسات التي تستطيع جذب وتطوير أفضل القادة والاحتفاظ بهم هي المؤسسات الأكثر احتمالية في تحقيق الازدهار؛ فليس الأمر أن يقوم المدراء بتعريف القيادة من خلال مقابلة أو مطابقة مجموعة الممارسات القيادية في الوقت الحاضر مع احتياجات مؤسساتهم.
تتفق المؤسسات ذات الأداء العالي على ان القيادة شيء مهم جدا، غير ان القادة هم أكثر من مجرد أشخاص يمتلكون الجدارات والشخصية المميزة، بمعنى أنهم يقومون بأكثر من مجرد إظهار ما لديهم من صفات؛ فلا يكفي احتواء والتمكن من خصائص القيادة، بل لابد لهم من ربط الخصائص بالنتائج.
ان ربط الخصائص بالنتائج يحقق جدوى كاملة؛ على انه في الوقت الذي يكون هناك ميل لتحويل الانتباه والاهتمام إلى الخصائص والممارسات المهمة التي يستخدمها القادة لتطوير النتائج، فمن دون وجود خصائص مناسبة، فإنهم لن يكونوا فاعلين ومؤثرين مع مرور الوقت.وتحقق الخصائص جدواها في حال تجسيدها بشكل جيد، لكن في حال العكس، فلا يمكن ان يكونوا ومؤثرين. ان القادة الذين يظهرون خصائص القيادة من دون نتائج تكون لديهم أفكار نظرية من دون مادة عملية، بمعنى أنهم يُعلِّمون الآخرين ما لم يتعلموه؛ حيث أنهم يتحدثون حول سيناريو جيد، بل وحتى يتصرفون ويعملون على أساس مبادئ عامة سليمة، لكنهم لا يحققون النتائج المرجوة. وهذا يعني ان الصفات قد أصبحت غايتهم وليس الوسيلة التي يجب عن طريقها الوصول إلى النتائج. وغالبا ما يكونون بارزين بسبب ما لديهم من مكانة وهَيبة، لكن استذكارهم لا يدومُ طويلا لان قيادتهم تعتمد على مسألة مَن هم وكيف يتصرفون أكثر من اعتمادها على مسألة ما الذي يحققونه وينجزونه. ومن يحصلون على نتائج لكنهم يفتقرون إلى الخصائص كثيرا ما يجدون بان نجاحاتهم قصيرة الأجل غالباً، فهؤلاء القادة ينجزون من دون معرفة السبب، وهكذا لا يمكنهم تكرار نجاحاتهم ولا التعلم والاستفادة منها. ولأنهم يؤمنون بان الغاية تبرر الوسيلة، فان نتائجهم غالبا ما تتلاشى من دون اثر، علما ان أولئك الذين يفتقرون إلى الخصائص قد تكون لديهم القدرة الأولية التي يتميز بها العباقرة، غير ان عيوب الشخصية تحول دون قدرتهم على القيادة؛ فهم يصدّون الآخرين، أو يرتكبون أخطاء فادحة أو ما إلى ذلك، والقادة الناجحون يحصلون على نتائج دائمة من خلال موائمة الخصائص مع المحصلات المنشودة.
الغرض
معظم الأدبيات والنظريات التي كتبت حول القيادة كان تركيزها داخليا، وعادة ما كانت تخلص إلى الخروج بقائمة من الخصائص التي يمتلكها القادة الناجحون. وكانت هذه الخصائص، أحيانا، تركز على نقاط القوة الداخلية (الشخصية، والاستقامة، والطاقة)؛ وفي أحيان أخرى، كانت تصف ما يعرفه القادة (من حيث الخبرة الفنية، والفكر الاستراتيجي) أو كيفية سلوكهم (من حيث تحديد الرؤية، وتمكين الافراد، والتأكيد على فرق العمل). وكلما كان التأمل بالقيادة أكثر على أنها مجرد حزمة من الخصائص والسمات الشخصية، كلما ترك التركيز فقط على خصائص القائد شيئا مهما وواضحا خارج معادلة القيادة.
وعلى أساس هذا السيناريو، يكون الغرض الأساسي من منهجية القيادة على أساس النتائج هو إعادة صياغة النقاش حول القيادة من جديد ـ لإنشاء حالة من التوازن في تعريف جوهر القيادة. وبينما يستحسن التعرّف على المعرفة والمهارات والسلوكيات التي يمتلكها القادة، فان هناك قيمة كبيرة أيضا للانتقال إلى ما وراء هذا التركيز، وتحقيق التقدم في كل من الحوار حول القيادة وتطبيقها. ومن خلال التوجه إلى إعطاء تأكيد اكبر على قياس النتائج، يُعتقد ان القدرة على تعلم القيادة سوف تتحسن.
مجال التطبيق
ان كون الشخص ذا قابلية ويمتلك خصائص القيادة هو أمر رائع، لكن هذه القابلية لابد وان يتم استخدامها بشكل مناسب وهادف من اجل تحقيق قيادة فعالة. ويمكن تلخيص ذلك بالمعادلة البسيطة التالية: خصائص+نتائج = قيادة فعالة
توضح هذه المعادلة بان القادة يجب ان يسعوا إلى تحقيق التميز في كلا طرفيها ـ بمعنى يجب ان يُظهروا الخصائص القيادية ويحققوا النتائج المنشودة ، علماً ان هذين الطرفين ليسا تصاعديين، بل ان كل طرف من طرفي المعادلة يضاعف الطرف الآخر. وهكذا، فان أي ضعف في درجة تقييم الخصائص أو النتائج سوف يقلل وبشكل كبير من مستوى فاعلية القائد.
وعندما يكون لدى القادة ميل واستعداد لجانب واحد من جانبي المعادلة على حساب الجانب الآخر، تتداعى الفاعلية العامة للقيادة، وتكون هناك مخاطرة بفقدان النتائج المستدامة. لذلك فان الخصائص والنتائج متلازمتان مهمتان وتمثلان الحمض النووي للقيادة، وهما معا يشكلان خارطة الطريق للنهوض بمستوى القادة.
وضمن إطار العملية، لابد للقادة ليس فقط تحقيق نتائج، بل كذلك يجب التركيز على نتائج منشودة. وتوجد هناك أربعة معايير لتقييم حجم ما سيحققه القادة ضمن مجال كل محور من محاور النتائج المنشودة. فالنتائج المنشودة تكون:
متوازنة
طويلة المدى
إستراتيجية
غير أنانية
والنتائج الفعالة تحقق هذه المعايير الأربعة، والقادة الذين يسعون إلى تحقيق الفاعلية يجب ان يحققوا هذه المعايير. وما ان يتم تحقيقها، يكون بالإمكان تحديد النتائج التي من شأنها تمكّن القائد من ان يكون أكثر من مجرد عنصر مصداق للشخصية.
النتائج مهمة، والنتائج المنشودة مهمة أكثر، والنتائج المتوازنة تشكل الأساس للنتائج المنشودة. ومن اجل تحقيق نتائج منشودة ومتوازنة، لابد للقادة ان يفهموا الإستراتيجية بما يكفي لتحقيق الوضوح الاستراتيجي، والفترة الزمنية المطلوبة لجعل النتائج طويلة المدى، والتعاون لجعل النتائج بعيدة عن الأنانية. ولابد للنتائج المنشودة أيضا ان تلبي احتياجات جهات متنوعة ومتعددة، بمعنى ان نتائج القادة يجب ان تكون متوازنة بين أربعة متعاملين وهم: الموظفين، والمؤسسة، والعملاء، والمستثمرين؛ فالقادة الذين يتفقون فقط في مجال واحد ليسوا قادة فاعلين.
وغالبا ما يواجه القادة تحديا صعبا في محاولة موازنة النتائج وتحقيقها في كل مجالات المتعاملين الأربعة. والقادة الذين يعتمدون منهجية القيادة على أساس النتائج، يعمدون أحيانا إلى التأكيد على بُعد معين على حساب بُعد آخر، لكنهم لا يمكن ان يتجاهلوا أي من الأبعاد لفترة طويلة.
المبادئ الرئيسية لتحقيق القيادة على أساس النتائج
1 تطوير القيادة هو تطوير ذاتي
من الناحية الجوهرية فان كل التطوير القيادي هو تطوير ذاتي، وان التطوير الذاتي الأكثر فاعلية والأكثر تأثيرا يحدث على رأس العمل. وبمقدور كل قائد أن يتخذ خطواتٍ في وظيفته الحالية للإسراع في تحقيق النتائج، علما أن الخروج بنتائج دائمة التحسن يوفر حافزاً ودعماً متواصلاً لجهود التطوير، ويعزز من الرغبة لإنتاج المزيد. وبمقدور القادة الذين يقنعون الآخرين على تغيير سلوكهم أن يكون لهم تأثير عميق ليس فقط على مساهماتهم في المؤسسة، بل كذلك على مواقفهم وشخصياتهم.
2 امتلاك القادة على أساس النتائج مسؤولية مساعدة القادة الآخرين في تحقيق النتائج لإنشاء مقارنة معيارية قيادية
ما لم يقم القادة ببناء قادة المستقبل، فان النتائج ستنتهي وتتلاشى عند مغادرة القائد الذي كان حققها لأول مرة. وأساساً، فان القائد الذي يعمل على أساس النتائج ينجح لان الجيل القادم يتجاوز نتائج الجيل الحالي.
3 القادة الذين يعملون على أساس النتائج يجب وباستمرار أن يسألوا ويجيبوا على السؤال: ما هو المطلوب؟ - قبل أن يقرروا كيفية القيام بالعمل.
القادة الذين يعملون ويتصرفون دون امتلاك معرفة كاملة بالنتائج المطلوبة قد يعملون بجد أكثر لكنهم يحققون الشيء القليل جدا. والقادة الذين يعملون على أساس النتائج يعرّفون النتائج من خلال فهم احتياجات الجمهور أو العملاء وكيف يمكن تلبيتها.
4 قيام القادة على أساس النتائج بتعريف أدوارهم من حيث النشاط العملي
يوضح القادة الذين يعملون على أساس النتائج ما يريدون انجازه وتحقيقه، وهكذا يجعلون من جدول أعمالهم واضحا وهادفا للآخرين. والموظفون يتبعون وبشكل تلقائي القادة الذين يعرفون مَن هم (خصائصهم) وما يقومون به (نتائجهم المستهدفة). ان مثل هؤلاء القادة يغرسون الثقة لدى الآخرين لكونهم يتّسمون بطابع مباشر ومركّز وثابت.
5 قيام القادة على أساس النتائج بتقييم مستوى فاعليتهم من خلال قياس الانجازات إزاء الأهداف
من دون التركيز على النتائج، يصبح تقويم القيادة صعباً جدا؛ فقياس النتائج يساعد المؤسسات بطرق عديدة، بدءاً من متابعة النمو الفردي للقادة، إلى مقارنة مستوى فاعلية القيادة في ادوار مماثلة، إلى توضيح عمليات اختيار القادة، إلى هيكلة برامج تطوير القيادة. ولابد من استخدام النتائج كعوامل تصفية معيارية يجب أن تدخل إلى المؤسسة ومعرفة الكيفية التي يجب تدريبها فيها. وفي النهاية، لابد للتركيز على النتائج أن يساعد كل قائد في تحويل الخصائص إلى محصلات.
6 القيادة على أساس النتائج تشتمل على الحصول على نتائج منشودة
ضمن إطار تحديد الخصائص، لابد أن يأخذ القادة بنظر الاعتبار التساؤل الغرضي. ومن خلال الإجابة على هذا التساؤل، يحرص القادة على تحويل الخصائص المجردة إلى نتائج مركزة ومثمرة من خلال التأكد من عدم وجود خاصية بمعزل عن نتيجة منشودة محددة. ويعمل السؤال التالي كاختبار لكل خاصية: هل أن السلوك الملحوظ يترجم إلى نتيجة منشودة؟ إن خصائص القيادة التي لا ترتبط بالنتائج لا يمكن وضع حساب لها.
7 التركيز على النتائج يستوجب وجود منهجية جديدة لأنشطة تطوير وتدريب القيادة
ان التدريب على موضوع القيادة التي تقوم على أساس النتائج يختلف عن غيره من حيث انه يركز أولاً على النتائج وثانياً على كيفية تحقيق النتائج. والمشاركون في مثل هذا التدريب يتعلمون كيفية تحديد النتائج التي تتطلبها إستراتيجية المؤسسة وأهدافها وكيفية تحديد وممارسة الخصائص المطلوبة لضمان استمرارية النتائج المنشودة.
Comments